المولد والنشأة.
ولد محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني في الرابع من شهر آب/أغسطس 1929 في القدس في فلسطين.
و محمد عبد الرحمن هو اسمه الأول وهو اسم مركب أما اسم أبيه فهو عبد الرؤوف، و عرفات هو اسم جده، القدوة هو اسم عائلته، والحسيني هو اسم عشيرته. ومحمد عبد الرحمن هو واحد من سبعة إخوة ولدوا للتاجر الفلسطيني عبد الرؤوف.
تيقظ محمد عبد الرحمن ابن السابعة عشرة لخطورة الحركة الصهيونية التي أخذت تستشري داخل المجتمع الفلسطيني لتنهب الأرض والبيت وتقتل وتدمر، وتنبه الشاب محمد إلى المخططات التي كانت تحاك لاقتلاع أبناء الشعب الفلسطيني من أرضهم وتمكين اليهود منها الأمر الذي لم يرق للفتى الثائر فعقد العزم على الانخراط في المجموعات المسلحة التي كانت تناضل ضد إقامة دولة يهودية في فلسطين.
لم يكن ما يحدث في فلسطين في تلك الفترة أمراً عادياً بالنسبة لأبو عمار ولم يتوقف الأمر عند الرغبة بالتخلص من هؤلاء الدخلاء فلم يعد امام الشاب محمد مفراً من المشاركة في المعارك الأولى التي اندلعت بين العرب واليهود في 1947 و1948 ثم في الحرب العربية الصهيونية الأولى في 1948 بعد إعلان دولة الكيان الصهيوني وكان لاغتصاب فلسطين التاريخية من أهلها عنوة الأثر الأكبر في تكوين شخصية أبو عمار.
سافر عرفات الذي أغضبه انتصار قوات الكيان الصهيوني المدعومة من الغرب, إلى مصر حيث درس الهندسة المدنية فقد التحق بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة والتي تخرج منها كمهندس مدني.
أتاحت له دراسته في مصر الانخراط منذ شبابه في الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال الانضمام إلى اتحاد الطلاب الفلسطيني، والذي تولى رئاسته فيما بعد من العام 1952 إلى العام 1956. و في القاهرة طور علاقة وثيقة مع الحاج أمين الحسيني، الذي كان معروفا بمفتي القدس..
ظهرت مواهبه منذ سنوات شبابه المبكر كناشط وزعيم سياسي. وقد كانت نشأته السياسية مرتبطة في البداية بجماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي نشأ في كنفها معظم قادة حركة فتح. ومع الصدام بين الإخوان وعبد الناصر ابتداء من سنة 1954 أخذت المجموعة التي كوّنت فتح تتمايز تدريجياً عن الإخوان.
لقد شهدت تلك الفترة أيضاً تبلور خيار الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في أعقاب صدمة الشعب الفلسطيني عقب "نكبة" سنة 1948، التي جعلت المنظمات الصهيونية تبتلع ثلاثة أرباع فلسطين التي كانت خاضعة للاحتلال البريطاني، وذلك وسط عجز عربي مذهل.
وبعد انتصار ثورة الضباط الأحرار في مصر في 23 تموز (يوليو) 1952؛ بعث عرفات، عام 1953، خطاباً إلى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، حمل ثلاث كلمات فقط هي: "لا تنس فلسطين". وقيل إنّ عرفات سطر الكلمات الثلاث بدمائه.
تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"
التحق عرفات بالخدمة العسكرية في الجيش المصري واستجاب للتعبئة العامة في التصدي لـ"العدوان الثلاثي" الإسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر في حرب السويس سنة 1956، وهو العام الذي مُنح فيه عرفات رتبة ملازم في الجيش المصري.
وفي 1958 شكل عرفات الذي كان وقتها يعمل مهندساً في الكويت، مع مجموعة صغيرة من الفلسطينيين؛ الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي تبنت الكفاح المسلح وسيلة لتحرير فلسطين. ومن أبرز الذين شاركوه تأسيس فتح هما صلاح خلف "أبو إياد" وخليل الوزير "أبو جهاد".
وقد أشار عرفات في ما بعد إلى قيامه في ذلك الوقت بجمع بنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية من الصحارى المصرية لتسليح حركته.
وفي 31 كانون الأول (ديسمبر) 1964 نفذت حركة فتح أول عملية مسلحة في فلسطين المحتلة سنة 1948، عبر محاولة نسف محطة مائية شيدتها سلطات الاحتلال، وقام عرفات شخصياً بتسليم بيان تبني العملية إلى صحيفة "النهار" اللبنانية.
وفي 28 أيار (مايو) 1964 تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية تحت رعاية مصر، وترأسها أحمد الشقيري. واعتمدت المنظمة ميثاقاً وطنياً يطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين ويرفض قيام الدولة العبرية.
وفي حزيران (يونيو) 1967؛ انتقل عرفات إلى العمل السري، تحت اسمه الحركي "أبو عمار". وفي تموز (يوليو) توجه سراً إلى الضفة الغربية المحتلة حيث أمضى أربعة أشهر قام خلالها بتنظيم خلايا حركة فتح.
وفي 4 شباط (فبراير) 1969 انتُخب عرفات رئيساً للمنظمة التي أصبحت ممثلاً للشعب الفلسطيني.
معركة الكرامة ورئاسة منظمة التحرير
وفي تلك المرحلة؛ بدأ نجم عرفات في البزوغ كزعيم سياسي فلسطيني ثائر، غير أنّ نجمه لمع أكثر في الأردن، حيث كانت توجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين هُجِّروا سنتي 1948 و1967، فتوفر المناخ لعرفات كي يقوم بتدريب أفراد من قوات فتح التي عرفت باسم "العاصفة"، وهو ما شجعه في الأمد القريب على تنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية من خلال التسلل عبر الحدود الأردنية إلى الأراضي المحتلة، أو من خلال استهداف دوريات قوات الاحتلال العاملة على الشريط الحدودي.
وقامت عناصر "العاصفة" بشن هجمات على أهداف إسرائيلية انطلاقاً من الأردن ولبنان وقطاع غزة الذي كان يخضع للإدارة المصرية.
وبعد حرب سنة 1967 التي ألحقت فيها الدولة العبرية هزيمة مدوية بالجيوش العربية، واستولت على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان دفعة واحدة؛ قامت جماعات المقاومة الفلسطينية بتكثيف أنشطتها ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولم يبق في ساحة القتال ضد إسرائيل عملياً سوى حركة فتح ومجموعات صغيرة إلى جانبها.
وقد اكتسب عرفات المزيد من الشهرة كقائد عسكري ميداني في عام 1968، عندما قاد قواته في القتال دفاعاً عن بلدة "الكرامة" الأردنية أمام قوات إسرائيلية أكثر عدداً وأقوى تسليحاً. وقد زرعت معركة الكرامة الإحساس بالتفاؤل بين الفلسطينيين، كما أدت لارتفاع راية قوى التحرر الوطني الفلسطينية بعد فشل الأنظمة العربية في التصدي لإسرائيل. وبعد مضي عام على معركة الكرامة؛ اختير عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها جامعة الدول العربية عام 1964.
"أيلول الأسود" والانتقال إلى لبنان
لكنّ الأمر لم يكن ليسير بعد ذلك على وتيرته المأمولة، فقد بدأت الصراعات الجانبية تندلع بين الثورة الفلسطينية والحكومات العربية، والتي كان أولها وأكثرها دموية في سنة 1970، عندما هاجم الجيش الأردني القوات الفلسطينية في الأردن بعد أن خطف رجال المقاومة أربع طائرات ركاب إلى مطار في صحراء المملكة، ووقعت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن سقوط ضحايا من كلا الجانبين، وهي الأحداث التي عُرفت بـ "أيلول الأسود". وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي الخروج من الأردن والانتقال إلى لبنان، بعد أن نجحت مصر في إنقاذ عرفات من الموت المحقق في عمان وتهريبه سراً إلى القاهرة، حيث حضر القمة العربية في أيلول (سبتمبر) 1970، فكانت أول قمة عربية تُسلّط فيها بقوة الأضواء عليه.
ومع انتقال المنظمة إلى لبنان، واصل "الثائر" أبو عمار رحلة الكفاح المسلح، فشرع في ترتيب صفوف المقاومة معتمداً على مخيمات اللاجئين. وفي السنوات التي أعقبت انتقال عرفات إلى بيروت؛ نفّذ مسلحون فلسطينيون ينتمون إلى فصائل مختلفة عمليات تفجير وخطف طائرات واغتيالات، من أشهرها عملية خطف أحد عشر رياضياً إسرائيلياً أثناء دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ميونخ سنة 1972، والتي أسفرت عن قتلهم خلال محاولة ألمانية فاشلة لتحريرهم.
وفي 13 نيسان (إبريل) 1973 حاولت الدولة العبرية اغتيال ياسر عرفات، في بيروت، حيث قامت مجموعة إسرائيلية ضمت بين أفرادها من أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء وهو إيهود باراك. وقد تمكنت المجموعة من اغتيال ثلاثة من مساعدي عرفات، ولكنها لم تعثر عليه. وأكد مقربون منه أنّ "معجزة سمحت له بالبقاء بعيداً"، على حد تعبيره. وفي الواقع؛ لم يكن عرفات يمضي أكثر من بضع ساعات تحت سقف واحد، وقد لفّ تحركاته بتكتم مطلق مستشعراً جدية التهديدات.